كنت طفلة، وكانت لدي أسباب وجيهة لكرهه..فجأة، يهتز العالم من حولي بالخبر..وأري وجوها حانقة..ووجوها غير مبالية
أخي الاكبر -الاخوانجي-يزمجر قائلا: ماذا فعلت هذه الجائزة لفلسطين!..تري لماذا يمنحونها لعربي مالم يكن معهم!
تتسع عيناي كطفلة في الثامنة،منبهرة دائماـ وأجذب كمه قائلة:
- مع من!
-م..أ..مع اليهود
وأنا لا أعرف عن اليهود سوي أنهم هؤلاء المقرفون الخارجون من(طابا) مؤخرا،حين غنينا للنصر..فكيف يكون هذا الاحمق معهم!
-وهل..ينبغي أن يكون معهم ليحصل علي الجائزة!
ويضيع سؤالي كأنما الرد اكبر من مقدرتي علي الاستيعاب؛فأعود:
-خالد..كيف هو معهم..أليس مصريا مثلنا!
فيزفر أخي العلامة الفهامة، الذي تعدي العشرين بعام واحد:
-افهمي..انه يشتم ربنا
فأشهق كما ينبغي للكارثة أن تؤثر فيّ،وأنسي أن أسأله عن علاقة ذلك باليهود، بينما امي تمصمص شفتيها مستغفرة
ويترك الاسم والجائزة في ذهني بقعة سوداء لا تنمحي
كنت طفلة، وقد بدأت (مصر) تحتفل بالحدث؛فيذيع التليفزيون أفلاما مظلمة عجيبة عن شبان مطربشين،يسيرون تحت علم اخضر غريب، هاتفين بحياة سعد..ثم نساء يتراقصن..امرأة زوجة لاثنين، ورجل ذو قرون..يععع
أشياء عجيبة ومنفرة..أف متي يعودون لعادل امام واسماعيل يس!..متي ينتهي هذا الصخب المجنون
كنت طفلة، وقد وصلت لنهاية المرحلة الابتدائية، وبدأت أستكشف متعة أخري، قُدر أن تكون المتعة الكبري في حياتي
بدأت أقرأ
المؤسسة..فلاش..نبيل فاروق
مقالات وقصص قصيرة..شعر..عوالم سحرية ،استكشفتها بذات اللهفة والانبهار اللذان استكشف بهما كولومبس ارضه الجديدة
وبدأت أضيف الي طعامي كل شيء مكون من أحرف..وألتهم كل ما يقع تحت عيني من كلمات..بدأت أشعر أنني شخص أعمق وأقوي..وأضعف
كنت طفلة، لكنني كنت أكبر، وتكبر معي أسباب عزوفي ونفوري من الرجل..
قبل الخامسة عشر،أحببت يوسف ادريس، وسمحت له بتحطيم نظريتي حول استحالة التعايش بين الادب الحقيقي والطب
وبدأت أومن أن ادريس يستحق الجائزة التي حصل عليها"الاخر" ..وبدأت أتعاطف مع نظرية المؤامرة التي اعتنقها يوسف، واتخذت جانبه دون أن أقرأ الاخر
كنت طفلة،في السابعة عشر من عمرها، ملّت كل ما حولها،بدأت تنظر داخلها، وداخل الناس..بدات تتساءل عن ذواتهم دون ان تنتظر ردا،عالمة ان احدا لا يملك الرد..
انتهت كل حصيلتي من الروايات..ما ابتعته وما تبادلته مع رفاقي
اخي الاصغر كان قد حصل علي مخلفات جار مثقف،كف عن الماضي
-ما هذا يا هيثم!
-عم ابو فايز يصفي اشياءه القديمة وقد منحني مجموعة طوابع رائعة
-أرني..وهذا!
-اشياء قديمة
-وهذا!
-رواية..
قالها بلا اكتراث،فتلقفتها بقلبي..رواية..اخيرا..وتصطدم عيناي بالعنوان"القاهرة الجديدة"..ويتلاشي حماسي،فتقبع بالدرج فترة لاباس بها..امسكها فأذكر الفيلم، ومشهد الرجل ذي القرون..تبا
كنت طفلة لم ازل، وفي لحظة ضعف وملل طفوليين، امد يدي للرواية..واقرا؛فتتسع عيناي؛فاقرا..ويتسع عقلي؛فاقرأ
ذهول..ندم..مم حرمت نفسي طيلة الفترة الماضية!..كيف ابتعدت عن هذا ولاي سبب!0
ليلة كاملة،قضيتها مع الرواية،ثم نمت مع طلوع الشمس، ورأسي ممتليء ، ومشاعري متلاحقة
كنت اكبر..لكن حماقة الماضي تكبر ايضا
وخلال عام، ابتلعت انتاج الرجل، واكتشفت أن ما بهرني كان فكر عال،احتوته رواية"متوسطة" بين رصيد الرجل
وحين أنهيت تراث هذا العبقري، ادركت انني في مازق حقيقي،حيث لم استطع ان اقرب ادبا اخر لمدة طويلة
وحيث غرقت في بحور المقارنة،والمفاضلة
وحيث اعترف عقلي ومشاعري بأحقيته في اكثر من (نوبل) بكثير..في جوائز لا ثمن لها ولا مقر ولا لجان
وأدركت كم هو قاس وظالم-لك-أن "تؤمِّع " رأيك،فتلحقه بآراء الناس دون اطلاع..
كنت طفلة، وما ازال اتمتع بأبشع صفات الاطفال
وما ازال ارجيء حديثي عنه ،الي أن يغادر ؛فأضطر ان أختم مقدمتي بجملة، ما كنت لاقولها لو ألحقتُ نيتي بالعمل الفوريّ
فليرحمك الله أيها العبقري..عساك اليوم قد وصلت الي السر الذي حرت فيه طيلة عمرك الثري
المليء بالادب، والفلسفة، والثورة..والايمان0
-------------------------------------------------------------------
هذه المقدمة، كتبتها من حوالي عام..حين رحيله الموجع..والعجيب انني لم أكتب في هذه السلسلة سوي مقال واحد عن السرد لدي نجيب..لماذا توقفت..لا أدري
لكن نهاية هذاا الشهر، تفاجئني ذكري رحيله الأولي..ياللزمن!!
اسمحوا لي، أن ألوّن مدونتي باللون النجيبي هذه المرة..ذلك اللون الذي لم يفارقني منذ لمسته، واستنشقته، وتذوقته
هناك ٩ تعليقات:
الله عليكى
حقيقي الله وحشانى اعمالك يا مبدع
حقيقي
الله
ومنتظر الجديد
الله يرحمك يا تجيب يا محفوظ
ويعوضنا خسايرنا الى كل ماده ما بتزيد
شكرا يا هناء على ما اودعته داخلى من احساس بكلماتك هذه
حقيقي شكرا
طب أنا مستنية
بقية السلسلة
و بلاش الكسل ده بقي
فعلا ياهناء - كما تقول أميرة- أنتظر منك المزيد والمزيد عن هذا المبدع
شكرا لك :)
اعتقد انى كنت انتى لفترة قريبة
تحياتى
أختي الفاضلة و سيدتي العزيزة لا أدري لماذا حكمت على الإخوان أنهم معادون للأدب لمجرد أن أخيك هاجم نجيب محفوظ لتمثيله الإله في رواية أولاد حارتنا ألا تتفقي معي أن ما كتبه نجيب محفوظ يعد تجنيا على الذات الإلهية و من ثم أليس النصح و الإرشاد من سمات المجتمعات المتمدينة فضلا عن أن تكون من عماد إسلامك الحنيف و ألا تطرق ذهنك كلمات الرسول (ص) عندما يقول الدين النصيحة ,أعتقد أن أديبة مثلك لن تتواني أن تبارز الفكر بالفكر و الكلمة بالكلمة حتى نصل إلى كلمة سواء
شكرا يا مغامير علي الحماس /التحميس
---------
عين ضيقة
شكرا لمرورك، ونفسي تضيفي كنتي كدة لفترة قريبة وبعدين؟
اتمني تحكيلنا
----------
الاخ العزيز مصري
مش فاكرة اني قلت اني بتهم الاخوان ب"معاداة الأدب" التهمة نفسها شكلها عجيب، حاجة كدة زي معاداة السامية..طبعا مستحيل أتهم الاخوان بحاجة أصلا ، ذلك أن مبادءهم نفسها متغيرة، طبقا للظروف،والحد اللي كدة ممكن نجادله لكن مش بنتهمه بحاجة ولا بناخد عليه مواقف لأن دة من باب العبث
تسألني:ألا تتفقي معي أن نجيب أساء للذات الالهية
الحقيقة لا أتفق معاك في ذلك أبدا
واسمحلي أنا بقي اللي أوجهلك نفس السؤال، ازاي تتهم نجيب بالاساءة للذات الالهية(وهي تهمة ف رأيي مكفرة، يعني لو حد أساء لربنا، يبقي خلاص ألحد أو كفر)لمجرد انه احتك بهذه الذات-جلت وعلت- أو صورها ف قصة رمزية!!
طول عمري بقول، نجيب محفوظ شطح ف الرواية دي..لكن أساء؟
لأ..كفر؟..الله أعلم، مش بتاعتي
بالفعل يا صديقي الأدب له دور بارز -جدااا في معركتنا مع السوء والفحش والبذاءة وكل ما آلت اليه البشرية من قبح..واعتقادي الخاص، ان نجيبا واحد من العظماء الذين تركوا أدبا من هذا النوع المغير، فقط لو نقرأ
تحياتي لوجودك
أختى الفاضلة بعد فائض الإحترام لك يسرني زيارتك لمدونتي و الرد على أول تدويناتي ,أنت إستخدمتي موقفك مع أخوك للتعبير عن رفض الناس للأدب و هو كما ذكرتي (إخوانجي) و ثانيا مبادئ الإخوان ثابتة و غير قابلة للتغيير أما إذا فهم البعض مرونة المواقف و تغيير الأولويات و التوجهات على أنه تغيير للمبادئ و من ثم يا أختي الفاضلة أنا لم أكفر أحدا و لن أفعل و لكن تمثيل الذات الإلهية هو مناف لعقيدة أهل السنة و الجماعة و ربما فعله أديبنا نجيب محفوظ عن عدم معرفة بهذه القاعدةالفقهيةو لكنه يظل في نظري أفضل الأدباء المصريين و لكن لا يمنعني تذوقي لأدبه أن أمتنع عن الوقوف على مساوؤه و ماسمعته أن نجيب محفوظ لم يستلم الجائزة عندما علم أنه منحها عن أولاد حارتنا و أنه كتب هذه الرواية في فترة كانت تموج فيه مصر بالفكر الماركسي الشيوعي و هذا لا يعني أني أوصدت باب الفردوس في وجهه حاشا لله ,غفر الله لنا و له
مصري
العزيز مصري
والله لم أتهمك بشيء من هذا أبدا..مسألة المباديء الثابتة ال"مرنة" حد تعبيرك، لي الحق في اعتبارها"ميوعة" وليس مرونة، وهذا لا يفسد للود بيننا قضية، ربما أمكننا أن نتقابل بعد عشر سنوات وقد تغيرت وجهة نظر كل منا، من يدري!!
بالنسبة لنجيب، جيد جدا أن نتذوق أدبه بعيدا عن كل سماته الشخصية، لكن الأكثر جودة أن ندرس سماته كلها-بأدبه- كتجربة حياة، يعني هذا الرجل كجلنا مر بمراحل خلال حياته، أثرت علي فكره وكتاباته بالتالي، فلا مانع أبدا من الاقتراب من شخصيته، ودراسه حياته ككل
لكن حين نحاسب-نحن- فاننا نحاسب نجيب الأديب،ومن وجهة فنية، وليس الانسان لأن هذا ليس في سلطتنا
تحياتي لعقلك، وآمل حقا أن نتواصل
أجدد سلامي لكي و هناك نقطتين أرجو أن يتسع صدرك لهما الأولى أرجو منك ضرب أمثلة على مسألة الميوعة في المبادئ و ثانيا أختلف معكي بالنسبة لمبدأ محاكمة الأدب من وجهة نظر أدبية فقط و لي مقال في مدونتي أرجو الإطلاع عليها و إبداء رأيك و جزاك الله خيراً
إرسال تعليق