الأحد، ١٨ يوليو ٢٠١٠

هناك أشياء

كثيرة..جذابة وغامضة..شريرة /طيبة ..متفرقة، لكنها تجتمع تحت لافتة" يحدث للآخرين فقط"..

الخميس، ١ يوليو ٢٠١٠

الخلطة

كان الشيخ زين محبوبا من كل معارفه ورفاقه وزبائنه ولم يكن له عداوات..
كان يحيا بمباديء أبيه في العفو والمغفرة والصبر علي البلاء وعلي الايذاء، وكان يعرف يقينا أن الله سيكافئه مكافأة ضخمة علي ما يطبقه في حياته من مباديء، غير أن ذلك لم يكن يهمه تماما، فهو يعرف في النهاية أنه ولد هكذا وأن الله الذي سيكافئه هو الذي منحه ما سيكافئه عليه..كان الشيخ زين يحب ويكره ككل البشر لكنه كان يتعامل مع الجميع بابتسامة طيبة ولسان معسول وكان يستند لذكري أبيه دائما ويرجيء قلبه ومشاعره ولا يصغي كثيرا لعقله..كان بحكم عمله عطارا قد عرف الخلطة السحرية للسعادة وللرضا
وكان في داره مثالا للزوج الطيب الكتوم والأب الحنون لكنه لم يهتم يوما بتوجيه النصح لزوجته أو أحد أبنائه ليخرجهم مثله، فقد كان يعلم أن مثله يُخلق لا يُخلط..
وعند الستين، وبعد رحيل الزوجة بالموت ورحيل الأبناء بالحياة استطاع للمرة الأولي أن يختلي بنفسه ويسمع أصواتا لم يكن يعطيها فرصة في السابق..
***
بدأ يتنبه للمرة الأولي أنه لا يفهم معني"اهدنا الصراط الستقيم" وأنه لا يستطيع أن يعرف تحديدا سمات "الذين أنعمت عليهم"..بدأ يدرك للمرة الأولي أنه لا يعي كثيرا من الأوراد التي حفظها، وبدأ يشعر للمرة الأولي..أنه يكره نعمان ونظرته اللزجة وأنه في الواقع يعرف تمام المعرفة أن ميمون منافق حقيقي، وكذلك شعر للمرة الأولي أنه يحب سعدانة وأن ما بينهما من مجاملات وكلام طيب ليس مجرد حوار جيران..
ومن خليط الأصوات نفاذة الرائحة..بدأ يدرك شيئا جديدا..انه لم يكن خيّرا، بل كان غير شرير..وبدأ يعي أن حياته كلها قامت علي الخوف لا علي التقوي..وبدأ يدرك أن خطوطا كثيرا وضعت علي عتبة داره ودكانه وقلبه وعقله، لم يكن لها وجود حقيقي ..
بدأ يشعر أنه يطيع من لا يعرفه، وعيثا حاول في الأيام التالية اقناع نفسه بامكانية الإيمان بقدرة من لا يعرفه..كانت ترن في ذهنه عبارة لا يدري أسمعها من قبل أم اخترعها للتو..كانت تؤرقه وتحول دون سكينته ورضاه المعهود..
كيف يستقيم ايمانك مع جهلك!!
زاره أبوه في منامه وصفع وجهه، وقال له:-تريد أن تصبح صعلوكا!! سينصلح حالك وسترث الدكان شئت أم أبيت
لم يكن قد أبي ولم يعرف المشيئة يوما، لكنه فكر فقط لو استطاع بيع الدكان والإشتغال بالبحر..
لم تهدأ نفس الشيخ زين وازداد حاله سوءا..أن تدرك أنك قضيت عمرك خائف شيء، وأن تدرك أنك علي خوفك لم تعرف ممن تخاف شيء آخر
بعد أيام، أدرك الشيخ زين أنه لم يكن شريرا قط لأنه لم يجرؤ أن يكون شريرا قط..وأن السعادة التي عاشها كانت حدوتة من حواديت أبيه عن الزمن الذي لم يره
بعد عدة أيام أخري قرر الشيخ زين أنه سيقضي عشر السنوات القادمة من حياته كشرير حقيقي وأنه سيتعامل مع الناس بما هم أهل له وأنه سيصغي لعقله ويرهف السمع لمشاعره وقلبه وسوف ينحي أباه قليلا
العطار يعيش عادة أكثر من سواه ويتمتع بالصحة وسلامة العقل لآخر حياته..وهو سيحيا كجريء للمرة الأولي في حياته من الآن وحتي عشر سنوات قادمة..
***
كان الشيخ زين مكروها من بعض الناس ومحبوبا من البعض الآخر، وكان قد هجر الدكان وأعلن رغبته في بيعه لكن لم ينفذ هذه الرغبة قط..ازدادت سفرياته وبدأ يركب البحر واعتاد الغياب عن بيته ومدينته طويلا
ابنه وزوجا ابنتيه قاطعوه لأنهم شبعوا من سيرته السيئة التي تلوكها الألسن ..أما أصغر أبنائه فأراد شراء الدكان احياء لذكري جده، لكن الشيخ زين رفض وقال له:-أنا وأبي خلقنا ولم نخلط ولا ينبغي أن أخلطك الآن..تشاجر معه الابن واتهمه بالجنون فاتهمه الأب بأنه ابن زنا..عاشر الشيخ زين سعدانة معاشرة الأزواج وتعرف علي غيرها أيضا وكان كثيرا ما يسحر بحديثه عذراوات ويفتضهن في البلدان التي يسافر اليها ثم يعود ناسيا اسمائهن
وكتب علي امرأة ولكنه لم يدخل بها وتشاجر مع أبيها ثم أشاع عنها أقاويل انتقاما منه..وتعرف علي بعض الناس أصحاب السيرة السيئة وكان منهم من يصغره بثلاثة عقود كاملة لكن صداقتهم زادت وضرب بها المثل، وقد حرص علي مجالستهم أسبوعيا وكان يخرج معهم أحيانا في مغامراتهم التي تتخللها عمليات سطو وقطع طريق
عرف الشيخ زين لذة الخمر فجأة وسب أهل المدينة بأسرها وهو سكران ثم توجه لدار ميمون وضربه أمام أبنائه..وفي الجمعة التالية لمعاقرة الخمر ترك الجماعة ولم ير في المسجد بعدها..
***
وفي احدي الرحلات البحرية المشوقة، أصابت السماء رعدة غير متوقعة ، وضربت الرياح سفينته وتحطمت علي الصخور..وتناثرت حوله أجساد وصرخات من كانوا معه..وكان يضحك غير مصدق أنه سيموت، قال لنفسه:- أنا لم أشرب خليط الحياة لأموت هنا والآن ولم أحمل ستين عاما من ال...لا أدري، لأموت بعد بضع سنوات من ال...لا أدري
كان ينظر للسماء المطيرة العاصفة وجسده يتجمد في الماء والرياح تصنع أصواتا مرعبة خلال الموج الهائج ..كان ينظر الي السماء ويبتسم بثقة وشيء من السخرية
***
ليلة اليوم الأول بعد السنوات العشر، جلس الشيخ زين علي عتبة داره مطرقا..كان يسأل نفسه سؤالا واحدا طيلة الليل..لكنه لم يستطع أن يجيب نفسه ولا مرة بشيء مقنع..
دخل الي فراشه وارتمي عليه..فقابل الشيخ زين، وضع الشيخ زين يده علي كتفه وقال:-عرفت فالزم
***
في الصباح، فتح الشيخ زين دكانه للناس..