الثلاثاء، ١٤ أكتوبر ٢٠٠٨

رقية شرعية

كان السؤال هو: كثر خوف الناس من الحسد؛فما هي صيغ الرقية الشرعية؟
تأملت السؤال لحظات؛ ووضعت القلم..طار بي السؤال الي سنوات كان لي فيها شخص يؤمن بالعين، وبأنني رائعة لدرجة تجعلني هدفا لكل عين مؤذية..وبدأ قلم ذاكرتي يخط الصيغة الوحيدة التي يعرفها.. كيانك العظيم راقد الي جواري
،ويداك تمسحان راسي،وصوتك الدسم ملء عقلي..
"أعيذك بكلمات الله التاااامة..من كل شيطان وهاااامة..ومن كل عين لااااامة ومن شر حاسد اذا حسدرقيتك كما رقي سيدنا محمد ناقته..حطيلها العليق ما داقته..رقاها واسترقاها، كلت عليقها وشربت ريقها وسمعت ربها لغاها..رقيتك من عين المرة يندب فيها شرشرة..رقيتك من عين الراجل يندب فيها مناجل..رقيتك من عين البنت يندب فيها (خشت)..
حابس حابس حابس من كل شيطان باجس.."
وتستمر الكلمات العجيبة المضحكة،حتي تتثاءبين وتصرين علي أن أشهق لتخرج العين الشريرة..وأدرك تماما أنها كلمات مبتدعة لم يأت بها نص..فأسخر وأظهر الاستهانة..لكنني اوقن أنها الأكثر دفئا وحنانا في العالم..ولا يدور في خيالي الشاطح دوما، أن يوما كئيبا موحشا سيأتيني مريضة وضعيفة وربما محسودة؛فلا أجد يدك ولا كلماتك ولا دفئك..متي يختفي الرائعون من حولنا، ساحبين معهم كل هذا السحر..وكيف يحدث قبل أن ندرك روعتهم..ترحل معهم تاركة ندوبا مؤلمة بالذاكرة ، وبقايا كلمات ..
عفوا يا سيدي..انها كلمات خرافية ما أنزل الله بها من سلطان..لكنها الرقية الوحيدة التي أعرفها..

السبت، ٤ أكتوبر ٢٠٠٨

وأنا أتعلم


من النادر جدا أن يتعرف انسان علي مثل هذا السائق..
رجل في الخمسين من العمر..متأنق الهندام.حليق الذقن..عطر الرائحة..صوته عميق وهاديء..كاهن بوذي أو زاهد في الصحراء،أو يمكن أن يكون قديسا في دير ناء.
كنا نسير بسيارته النظيفة أمام جامعة القاهرة ونتحدث عن المباني القبيحة التي تم انشاؤها أمام كلية التجارة وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فاذا به يقول لي..
السائق: كل حاجة ف الدنيا دي ليها جمالها..يكفي انك تفتح قلبك عشان تشوف الجمال اللي حوالينا..لكن انت لو زي معظم الناس مقفل قلبك حتشوف النور اللي بيضوي حواليك ازاي ؟ احنا ف مصر ف نعمة كبيرة..بلد من أجمل وأعظم بلاد العالم وانت عايش فيها، ولما تفتح قلبك حتشوف ف مصر حاجات محصلتش..دة يكفي النيل..النيل دة زي ما بيدينا مية عشان نشرب وناكل ممكن كمان يغسل روحنا، النظر ليه يطهر قلبك..أنا بقالي تلاتين سنة مقسم اليوم لتلات ورديات..,وردية بشتغل فيها ع التاكسي ووردية أقعد فيها مع مراتي وعيالي، ووردية أقعد أصطاد ف النيل، وأغسل روحي وجسمي وعيني..وعلي صفحة النيل باقرا كلام ربنا..بعد الأربع ساعات دول، بابقي حاسس اني شفاف وان ربنا معايا وماسك ايدي عشان مخافش غير منه. لو كل واحد ف البلد دي قعد يبص لصفحة المية حتبقي حياتنا حاجة تانية خالص..مش حيبقي فيه فساد ولا رشوة لأن الانسان الطاهر ميقدرش يعمل حاجة غلط.

أنا كل يوم بخلص وردية التاكسي وانا خايف..خايف علي ولادي وخايف م المستقبل وخايف م الدنيا، وبعد ما أخلص وردية الصيد ببقي كلي أمل ف بكرة وثقة انه كل شيء حيبقي تمام وان ربنا مش حينسانا. دة مصر مذكورة ف القرآن واحنا جند الله..ازاي بقي حينسانا..مش ممكن.

كان يتحدث معي بصوت رخيم عميق، صوت يشبه كثيرا صوت كبير عائلة عبد الرسول في فيلم المومياء لشادي عبد السلام، صوته يبدو لك كأنه لا يصدر عن الشخص المتحدث، ولكنه يصدر مباشر من الله عز وجل..كلمات بها ايمان عميق نابع من القلب..ايمان حقيقي بجوهر الحقائق وليس بأشكالها المصطنعة.

سوف أتذكر دائما هذا الجميل كلما تأملت صفحة النيل..وسوف أتذكر دائما أن كل شعور بالخوف سيلحقه شعور بالأمل في غد..
وسوف أتكر كذلك اسمه الذي سألته عنه قبل مغادرة السيارة :"شريف شنودة".
-------------------------------------------------------